كان الوقت قد تخطى الثانية بعد منتصف الليل على ما يظن , وحده فى الكون مازال على قيد الوعى بينما كل الكائنات فى سبات يتنعمون ووحده فى غرفته قابع فى سريره الابلكاش المنصوب فى زواية من الغرفة تحت الشباك الأبيض من جوه واخضر من بره ككل شبابيك بلدته التى لا أحد يدرى لماذا يجب ان تتخذ هذين اللونين بالذات دون غيرهما .. فهل هناك سر ام انه التقليد الأعمى الذى ورثه واتخذه قاطنى البلدة الأبرارديدناً لهم ,فلا أحد هناك يجروء ان يفكر فى التغيير ولا احد هناك يتطلع للتجديد , الجميع يحاكى النمط العام لا حباً فيه واقتناعاً به وانما يقولون زى الناس , أى ناس ! يقولون .. الناس !
وحده غارق فى وحدته وعزلته والأشياء من حوله ساكنة كأنما تشاركه الوحدة والعزلة وتزيده عليهما فوق ما يطيق فيأبى هو الا أن يخرجها عن سكونها ويتفاعل معها وينفعل بها فيتسلى بها عنهما كدأبه منذ أن أيقن أن البعد عن الناس غنيمة ,
فهناك الكمبيوتر عتيق الطرازهذا الذى لا يغلق قط ما تعاقب الليل والنهار فهو مفتوح أبداً إذ لم يصنع عبثاً ولن يترك سدى,
رابضة شاشته الواحد وعشرين بوصة , فوق المكتب كرأس أبى الهول على بعد متر من سريره ذاك الابلكاش وقد استحال اطارها الفبر الأبيض الى فبر بيج بفعل عوامل التعرية فى غرفته تلك الكبيرة الرطبة الكئيبة التى تعج بالذباب فصول السنة ,
ذالك الذى يكثر فى فصل الشتاء خاصة ويقل ويبقى كثيراً فى غيره من فصول السنة , ولقد تحير القوم هناك كما تحير الذين من قبلهم فى أمر ذباب الشتاء هذا من أين يأتى فى ذلك الوقت من العام وقد ألفوه من يوم أن عرفوه يظهر فى الصيف ويختفى فى الشتاء .. انهم يحتالون على أنفسهم فيقولون أنه يأتى من مكان ما تحت الأرض تلك التى يعتقدون أن لهم بها أخوة لا يعرفون عنهم سوى انهم هناك أما لماذا هم هناك وماذا يفعلون وما هى هيئتهم على التقريب فانهم لا يعرفون وهم يحذرونهم ولا يذكرونهم الا قليلا وهم فى ذكرهم هذا القيل لهم انما يخصون به الأطفال دون غيرهم يحتالون عليهم بهم فيخوفونهم منهم وكلما هم أحدهم بأمر لا يرضونه منه يقولون له : أخوك اللى تحت الأرض هيزعل منك ! ثم يتركون الطفل البائس يقدر ويتصور ما قد ينتظره من أهوال فيما لو زعل منه أخوه ذاك الذى يقولون عنه انه تحت الأرض !
ولقد فكر الذباب وقدر فأضاف الى مهامه تلك الوقحة مهمة هى أشد تقززا ووقاحة من غيرها إذ اتخذ الذباب زجاج شاشة الكمبيوتر الميمون موضعا لقضاء حاجته تلك المقززة فأمطره بوابل من نقاط سوداء قذرة تشابكت بمرور الوقت القصير حتى أعتمت الزجاج تماما الا من نقاط بيضاء تتخلل الظلمة المضيئة تبدو من خلالها نسخة ويندوز تمانية وتسعين عربى مضطربة المزاج منقرضة المثال بطيئة كسلحفاه عرجاء ضيقة السعة تتسع بالكاد للعبة كوتشينة ذو خلفية خضراء فاقعة الخضرة لسبب غير مفهوم !
غير أن أن صاحبنا نجح بعد عناء ومشقة فى أن يدخل اليها لعبة الشطرنج تلك التى أحبها ولم يشفع له حبه عندها فى أن تجود له بسرها ان كان لها حقا سر !
وقد أنفق من الوقت ما يكفى للانتهاء من مسروق الصرف الصحى الذى عاصرت انشاءاته أحداثاً جساماً وما أندر أن يحدث جسيماً فى البلدة المنكوبة ,
تقول الحكومة قولتها العقور .. السنة الجاية ! فينتظر الناس سنين رايحة وسنين جاية فلا ينالون من الحكومة أكثر ما ينال الريح من البلاط ,فيطلبون الحكومة للمقاول كما يقولون ! فلا تجيبهم هناك حكومة ولا يجدون هناك مقاول !
انهم هناك لا يحبون الحكومة لكنهم يهابونها أكثر من غيرهم من أهل المدينة حيث أثر التثقف فى تفكير وسلوك الناس ظاهر,انهم ينادون هناك عمدة فيقولون له .. يا حضرة العمدة ! وهم إذ يقولون هذا القول انما يقولونه ليس عن احتراماً له قر فى أنفسهم وانما اشفاقاً من شر يصيبهم منه فيما لو لم يظهرون له أيات الأمتنان والتقدير تلك الذى يعرف هو انه غير جدير بها ويعرفون هم انه يعرف أنهم يعرفون انه ليس بها جدير لكن أحداً منهم لا يستيطع ان يعلن لذاك العمدة ما يبطن له من سخط عليه وكره له فأفة القوم هناك النفاق والجهل وان منهم لمن لم تسعفه المعرفة فيظن بهذا العمدة سطوة ونفوذ يستطيع بهما أن يستحل أرضه وعرضه دون أن يسأله أحد عما يفعل , انهم هناك دائماً يرون الأمر على غير حقيقته ولا يعلمون ان قد نشرت غير صحيفة غير مرة فى غير عدد صوراً لوزراء فى حكومات الغرب يصطفون مع غيرهم فى طابور الحصول على خدمة ما , فأين يذهب ذلك العمدة بين هؤلاء ومن يكون ليكون له حضرة ؟! ..قال حضرة العمدة قال !!
ان القوم هناك لا يقرأون وان هم قرأوا لا يفهمون وان فهموا لا يعملون وان عملوا لا يحسنون وهم إذ يتكلمون فانهم يقولون ما لا يعلمون .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق