أرشيف المدونة الإلكترونية

الجمعة، 27 نوفمبر 2015

هارب من الأيام .. الجزء الأول



عادة ما لا يهتم بالوقت بعد منتصف الليل , فما أن ينتصف الليل حتى يهمل الوقت فيدعه ينساب دون رقيب منه بين الثانية عشرة منتصف الليل ,والثامنة صباحاً ساعة أن يصرخ منبهه اللعين بصوت منكر فيعلن نهاية ليل بشوش وبداية نهارعبوس وسط ركام الديوان الحكومى الممقوت من لدن فرعون الى يوم يبعثون ,
يصرخ اللعين فى الثامنة صباحا كل يوم غير أيام العطل اليومية الرسمية منها والعرفية فيقلق منامه ويزعج ودانه
ويأبى أن يكف !
حتى يقع فى مرمى ذراعه ذاك الذى يخرج وحيداً من السريرمقهوراً فى نفسه مغلوباً على أمره من ربه ساعياً باحثاً متمايلاً متفادياً ما قد يعترضه من عقبات فورأن يصك أذنى صاحبه الناعستين صكاً كئيباً صراخ الزغلول ,
وأينما يصدفه يزحه عن مكانه فيسقطه حيثما اتفق ليسكته ولو الى حين ,
بينما باقى الجسد يرقد ممدداً فاقداً الوعى و الاوعى كارهاً لما هو مقبل عليه راغباً فى فراشه ممسكاً فيه متمسكاً به ملتحفاً لحافه مندمجاً فى نومه اندماجا , عازماً الدفاع عنه قدر ما يطيق صبراً على احتمال صراخ ذاك الذى ليس له شأن أن يوقظه وهو مع ذلك مصرأن يفعل !

يسقطه حيثما اتفق طمعاً فى أن يسكته ,
فإذا به اتخذ وركه المشروخ إثر سقوطه المفاجىء من سطح , فراشاً له فوق الأرض
ويأبى أيضاً أن يكف !
فيبدو وسط ضباب عينيه الناعستين وكأنما أخرج لسانه عمداً , كيداً وعبثاً ,
وهناك ينتهى صبره عليه وينقضى أمله فى بضع دقائق فوق الوقت المعين ليلاً لهجر الفراش فى الصباح طلباً للعمل من أجل الأجر ,
وما أقل ما يحصل عليه من أجر فى عمله ذاك الحكومى السوقى المذموم ولقد دفعته قلة الأجر هذه غير مرة أن يضحى بذاك الأجر طلباً للنوم فينقطع عن العمل عمداً بعد أن يكون قد وزان بين خصم الأجرإذا انقطع وبين صرفه إذا انتظم فيجد أن أجر اليوم الواحد يغطى بالكاد نفقات الانتقال الى العمل ذلك اليوم ولا يجد فرقاً بين أن يذهب الى العمل وبين أن يكمل نومه من حيث تأثيرهما فى الأجرالمزعوم فيؤثر الراحة ويواصل النوم وينقطع عن العمل , وهناك من الناس من يذهبون غير هذا المذهب وهم اولئك الذين إذ يوازنون بين انتظامهم فى العمل والانقطاع عنه من حيث تأثيرهما فى أجورهم تلك الأقل زهداً من أجور أصحابهم يجدون أن أجر اليوم يغطى الى جانب نفقات الانتقال مصروف السجائر, فيؤثرون الانتظام فى العمل دون الانقطاع عنه فينتظمون فى الحضور والانصراف وانهم بين حضورهم والانصراف لفى شغل عن أداء العمل , فهم فى محال عملهم لكنهم ليسوا هناك , فمنهم من يتحدث فى الموضوع ..أى موضوع ! ومنهم من يأكل فول وطعمية  وجرجير , ومنهم من يشرب شاى أو سحلب أو كركدية ومنهم منهمك فى اعداد فنجان من قهوة سكر زيادة , ومنهم من هو غارق حتى أذنيه العظيمتين فى كوب من الحلبة ولا أحد يعرف سبباً فى وجود حلبة بين مشروبات بوفيه فى ديوان حكومى ولا يفسر ذلك الا أن كل شىء جايز كل شىء ممكن .. فى الديوان العام !
,

ينقضى أمل صاحبنا فى بضع دقائق ينفقها فى النوم قبل أن يذهب متأخراً الى العمل كعادته كل صباح يذهب فيه الى العمل وما أقل ما يذهب الى العمل وقبل أن يكون قد أرضى حاجته إلى النوم ورضى بها ورضى الناس ورضى الله عنها تلك التى ما اتفق له يوماً أن قد أرضى حاجته إليها ,فهو حريص على تلكم الدقائق راغب فيها وانه ليعلم أنها لن ترضى حاجته الى النوم أبداً غير أنه حريص عليها راغب فيها من أجل ألا ان يبدأ يومه بكسر روتين لازم  ,
وما اتفق له يوماً أن قد كره شيئاً كما كره  (لازم), فصاحبنا لا يحب أن يفعل شيئاً مضطراً قط ولو قد كان فى هذا الشىء خيراً له فكيف اذا كان يرى فيه شراً له !

وصاحبنا لا يحب أن يعمل قط ولا يرى أن العمل عبادة كما يقولون بل هو مقتنع كل الاقتناع أن العمل , أى عمل انما هو عبودية مقيتة يساق اليها الناس لارضاء حاجتهم المادية اللعينة , لكنه على قناعته تلك لا يملك الا أن يسير فى الحياة كما تسير غيره من بهائم الناس لا حبا فيها وتمسكاً بها بل لانه مضطر ألى حياته تلك البائسة كى لا يخرج من المولد بلا حمص فلا هو ملك أن يعيش كما يجب أن يعيش بنى أدم فى هذه الحياة الدنيا جدا ولا هو يرضى لنفسه انتحارا يسلمه لقعر الجحيم حيث ابولهب وعتبه ابن ربيعه ! 
 هو اذن مضطر أن يجاهد فى أن يتحمل جحيمه هذا الدنيوى المرير طمعاً فى أن يلقى الله فيكون ممن سيقال لهم يوماً هل رأيتم بؤساً قط !

يخرج صاحبنا من فراشه ذاك العزيز مغشياً عليه من الأرق , كمن بات فاقد الوعى من كأس وغانية ,
وما ذاق يوماً كأساً غير السهر وما كانت غانيته يوماً الا كتاب ,
يخرج من الفراش على هذه الحال البائسة فاقد الوعى والاتزان , ممزق القلب على ما هو خارج منه , مقزز النفس مشفق مما هو داخل فيه , فيمضى فى زيه ذاك (المكرمش) مقوس الظهر مشوش الرؤيا نكد المزاج كئيباً محزوناً إلى حيث يرقد هادم اللذات ,مقلق المنامات,موقظ عقول السكارى ,
فيقبضه فى كفه فى غير رحمة , ويضغط لسانه فى حلقه فى غير رفق , ويرسله لا يدرى إلى أين ؟! لكنه يرسله كفراً منه وبه وفيه ,
ويمضى إلى حيث ينهى اجراءات الانتظام فى العمل وان فى نفسه لحسرات .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

Translate