أرشيف المدونة الإلكترونية

الخميس، 5 سبتمبر 2013

ماَساة عصفورة

فى عش حقير فوق أحد أغصان احدى الأشجار البالية خرجت الى الدنيا عصفورة رائعة اختار لها والديها اسم ليندا وكم كان اسماً جميلاً لمجنونة جميلة كم طال انتظارهما لها سنوات بعيدة كم انتظراها ولم تأت قبل الأن كادت سعادة الوالدين أن تذهب بحياتهما لولا أن حب الحياة الى جوار هذه الغالية قد حعلهما يتماسكا بعض تماسك

خرجت ليندا الى الحياة وحيدة لم ينجب والديها سواها ومن اجل ذلك فقد كانا يحباها حباً خاصاً لقد كانت مصدر سعادتهما الوحيد وتكاد ان تكون الشىء الوحيد الجميل اللذان قد خرجا به من هذه الدنيا البائسة فلم يكونا يوما من الأثرياء كانت حياتهما بسيطة أشد ما تكون البساطة يسكنا عش ضيق قديم بالى يوشك ان ينهار فوق شجرة قديمة قصيرة بالية مائلة توشك ان تسقط لا يملكا سوى قوت اليوم الواحد وقد يكاد لا يملك وعلى الرغم من ذلك فمنذ ميلادها وقد عزما على ان يكافحا من أجل ان يدبرا لها كل ما قد تطلب وتتمنى وقد نجحا فى ذلك بعض نجاح وقد فشلا فى اسعادها كل فشل

إذ انهما كانا يفرضا عليها رقابة صارمة وكانا يلزماها بأمور شتى نابعة من عادات وتقاليد هى فى ظنهما حضارة وفى ظنها تخلف وبدائية ورجعية لا وجود لها فى عصر التكنولوجيا والحرية والديمقراطية وحقوق الانسان كان لا يسمح لها ان تخرج من ذلك القبر المظلم الا فى القليل النادر وفى هذا الخروج النادر كان لا يسمح لها ان تخرج بمفردها وانما اذا ارادت الخروج فلا مفر من ان يكون ذلك برفقة احد والديها وفد كانا لا يسمح لها ان تتجول فيما بين اغصان تلك الشجرة الكئيبة ولا ان تتحدث الى احد من تلك العصافير القليلة المتفرقة فوق اغصانها الجافة الا الى عصفورة واحدة هى من العش المجاور لعشهم فوق الشجرة وكم ضاقت ليندا بتلك العصفورة كل ضيق وكم حقرتها كل تحقير فقد كانت تراها عصفورة غبية طموحها متدنيا وافكارها متخلفة لم يرق لها يوماحديث تلك الملعونة غير انها كانت تجد نفسها مجبرة على ان تتحدث اليها اذ كان لا يسمح لها بالحديث الا الى تلك الجاهلة

ومرت الأيام كعادتها كئيبة وعلى غير عادتها بطيئة وكبرت ليندا العصفورة الصغيرة وأصبحت قادرة على الطيران بمفردها فقد أصبحت تمتلك جسداً قويا ًمتكاملاً وجناحين فارعين يكسوهما ريشاً غزيراً يستطيع مقاومة تيار الهواء القوى فى الأفق أصبحت ولم تعد تحتاج الى والديها مثلما كان الحال فيما مضى من الوقت ومنذ ذلك الحين قررت ليندا ان تعلن ما طالما قد اضمرته من تمرد وسخط على هذه الحياة القاحلة قررت ان تحقق حلمها الاكبر الذى ظل يراودها على طول خط حياتها الماضية قررت ان تغادر تلك الزنزانة المظلمة التى ظلت سجينة بها سنوات طويلة

وفى صباح أحد الأيام المشرقة استيقظت مبكراً وأخذت فى التحليق عاليا فى عنان السماء كانت سعادتها تامة تكاد الاقلام ان تعجز عن ان تجد لها وصفاً دقيقاُ وبينما هى على هذه الحال من التحليق فى الأفق البعيد اذ شعرت بارهاق شديد فهى لم تعتاد الطيران لمسافات بعيدة هكذا ففكرت ان تهبط فوق احدى الاشجار من اجل ان تستريح بعض الوقت ثم تعاود الطيران مرة اخرى وعلى الفرور هبطت فوق احدى الاشجار السامقة الضاربة فى عنق السماء وهناك كانت المفاجأة !

اذ قد رأت ما لم تكن قد رأته من قبل وما لم تكن تتوقع يوماً من الأيام ان تراه رأت جموع غفيرة من العصافير الحرة السعيدة الكل يتحدث الى الكل الذكر يتحدث الى الانثى وهى بدورها تفعل لا رقابة لا عادات لا تقاليد بالية انها الحرية بحق انها الحرية التى ظلت تحلم بها منذ الصغر كادت روحها ان تزهق من فرط سعادتها فهذه هى المرة الاولى التى ترى فيها الحياة منذ ان خرجت اليها وكتب عليها ان تبقى وحيدة سجينة سنوات مريرة داخل ذلك العش الأثرى ولكن دموع عينها ما لبثت ان بدأت تتساقط اذ انها على الرغم من انها قد وجدت ما طالما كانت تفتقده من حرية الا انها فى ذات الوقت تعجز عن ان تمارسها فهى لا تعرف احد ولا يكاد احد يعرفها فماذا سوف تفعل ؟

هل سوف تبقى وحيدة على الرغم من انها الأن داخل قلعة الحرية ؟وفى تلك الأثناء اقترب منها عصفور رقيق شديد الوسامة حلو المنظر من عصافير تلك الشجرة الشاهقة وسألها فى حنان : لماذا تبكين ايتها الجميلة الساحرة ؟ هل هذه هى المرة الاولى التى تحضرين فيها الى هنا ؟ قالت فى يأس ومازالت دموع عينها تسيل فوق خديها الناعمين نعم انها المرة الاولى لا اعرف احد ولا احد يعرفنى اننى وحيدة حزينة كئيبة واخذت دموع عينيها تتساقط فى سرعة ونبرات بكاءها تتعالى فى ألم فقال لها بتوسل كف عن البكاء ايتها الجميلة الساحرة ولا تخشن شيئاً لست هنا وحيدة فكل ما فوق اغصان هذه الشجرة من عصور انما هو صديق لك لا تحزنى وهيا بنا لاعرفك الى اصدقائى هذا على هذه نور هذا عمر هذه فاتن 

وفى احد ايام هذا الانحطاط الاخلاقى انفرد بها ذلك العصفغور الوسيم واعلن اليها انه قد احس نحوها حباً منذ زمن وقد احس نحوه منها مثله وقد أثر أن يكتم هذا الحب مخافة ان تتنكر هى له اذا ما اعلنه اليها وقد ضاقت به الدنيا وأسودت الحياة من حوله وأغلقت فى وجهه السبل ولم يجد مفراً من أن يصارحها به لعلها ان تأخذها الرأفة به وتقدر ما به من عذاب فما الحياة بدونها الا نكرة وما العيش مع غيرها الا موت قبل الموت أعلن اليها انهما يجب عليهما ان يتزوجا فى أقرب وقت فقد أصبح ولم يعد يطيق صبرا على فراقها وأمام هذا الكم الضخم من المشاعر والاحاسيس الدافئة لم تتمالك ليندا نفسها ووافقت على الفور ولم تفكر فى الامر قدر ما يستحقه من تفكير على ما يبدو انها كانت غارقة فى حبه حتى اذنيها


تم الزواج وبالطبع تم عرفياً بعدما أقنعها ظلماً أن هذا الزواج العرفى انما هو زواجاً شرعياً على كتاب الله وليس فرقاً يذكر بينه وبين الزواج الرسمى الا ما قد أرساه العرف الخاطىء من تقاليد وعادات بالية داخل أذهان المجتمع الحقير أقنعها انه طالما كان قد حلم أن يكون يوم عرسه يوما تتحاكى به الناس على طول الدهر غير أنه الأن قد أصبح مجبراً على أن يتخلى عن هذا الحلم الجميل من أجل ان يحقق حلماً أجمل هو ان يرتبط بمن قد هواها وعشقها فى جنون أقنعها عدلاً انه لا يستطيع ان يتزوجها رسمياً فهو نجل عائلة ثرية عميقة الأصل والنسب اما هى فقد ورثت الفقر أباً عن جد ولذلك فلن يبارك أحداً من عائلته زواجهما بحال

لقد دمرت ليندا ودمر مستقبلها خسرت كل شىء فى لحظة خسرت أبويها وعشهما الهادىء المستقر وحرمت من احبته بصدق وغاب عنها أغلى وأعز وأثمن ما كانت تمتلك لقد دفعت ثمناً باهظاً لما قد ظنته حرية وظهر اليها فيما بعد انه دجل ونفاق وتسول مهين لقد امست دون مأوى وأصبحت فريسة لكل صائد يريد المتعة وكثير ما هم

وفى أحد أيام تسولها المهين بعد خسارتها الفادحة كانت ليندا تقف على أحد أغصان تلك الشجرة اللعينة إذ رأت عصفورة بريئة جميلة تقف وحيدة حزينة كئيبة وما لبث أن اقترب منها شيطان وسيم من شياطين الشجرة وأخذها ليعرفها الى أصدقائه حينها تذكرت ليندا ما حدث لها وعلمت انه ما سوف يحدث لتلك العصفورة الطاهرة البريئة فأخذت دموع عينيها تسيل حتى بللت أوراق غصنها وتمنت حينها لو أنها كانت قادرة على أن تنصحها ولكن هيهات فهى الأن أصبحت حقيرة منبوذة لا أحد يثق بها ولا أحد ينصت الى حديثها .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

Translate